فصل: فصل في فساد الذكر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في فساد الذكر:

هو نظير الرعونة إلا أنه في مؤخر الدماغ لأنه نقصان في فعل من أفاعيل مؤخر الدماغ أو بطلان في جميعه وسببه الأول عند جالينوس هو البرد إما ساذجاً وإما مع يبوسة فلا ينطبع فيه المثل وإما مع رطوبة فلا يحفظ ما ينطبع فيه.
فإن كان مع يبوسة دل عليه السهر وأنه يحفظ الأمور الماضية ولا يقدر على حفظ الأمور الحالية والوقتية.
وإن كان مع رطوبة دل عليه السبات وأنه لا يحفظ الماضية البتة ولعله يحفظ الوقتية الحالية مدّة أكثر من الماضية فإن كان هناك برد ساذج كان خَدر وسَدر.
وربما كان من يبس مع حر ويكون معه اختلاط الذهن وذلك إما في ذلك الجزء من الدماغ نفسه أو في بطن منه أو في وعائه.
وقد يكون لاختلاط أو سوء مزاج في الصدغين يتادى إلى الدماغ.
فقد ذكر هذا بعض المتقدّمين وهو مما جُرِّب وشوهد.
وأكثر ما يعرض النسيان وفساد الذكر إنما يعرض عن برد ورطوبة وقد يكون عن أورام الدماغ وخصوصاً الباردة.
واعلم أن النسيان إما عرض مع صحة أنذر بأمراض الدماغ القوية مثل الصرع والسكتة وليثرغس.
علامات أسبابه وأصنافه: ينبغي أن يتعرّف ذلك من القوانين المذكورة ولا نكررها في كل علّة.
المعالجات: أما المقارن للحرّ واليبس فهو أسهل علاجاً ومعالجته هو بما قيل مراراً.
وأما الكائن عن يبس مجرد فيجب فيه أن يغذّى العليل بالأغذية المرطبة المعتدلة وأن يستعمل رياضة ناحية الرأس بالدلك والغمز بالخرقة الخشنة وتحريك اليدين والرجلين.
وبالجملة الرياضة التي ليست بقوية بل بمقدار ما يجيع ويقتضي الزيادة في الغذاء والدعة والنوم والحمّام ويسخن بالضمّادات المسخنة المعروفة التي لا نكرر ذكرها وبالمحاجم على الرأس بلا شرط وبالأدوية المحمّرة وربما احتيج إلى أن يكوى كيتين خلف القفا ويستعمل مياهاً طبخ فيها بابونج وإكليل الملك وكرعان الماعز ومن الأدهان دهن السوسن والنرجس والخيري وأمّا ما كان من مادة ذات برد ورطوبة فاستفرغه بعد الإنضاج بما تدري وليسكن بيتاً كثير الضوء وليبتدئ أولاً من الاستفراغات التي هي أخف مثل أيارج وشحم الحنظل وجندبيدستر ثم تدرج إلى الأيارجات الكبار ثم استعمل- إن أمنت سوء المزاج الحار- معجون البلاذر فإنه أقوى شيء في تقوية الذهن وإفادة الحفظ واستعمل أيضاً سائر المسخّنات من المحمرات والغراغر والشمومات التي تدري ولا تستعجل في تجفيفه بل تدرّج واحذر أن يبلغ تجفيفك إفناء الرطوبات الأصلية فيتبعها برد المزاج وذلك مما يزيد في النسيان ويجب أن يجتنبوا السكر ومهاب الرياح والامتلاء ويجتنبوا الاغتسال بالماء أصلاً أما الحار فلما فيه من الإرخاء وأما البارد فبما يخدر ويضر بالروح الحاس فإن عرض لهم امتلاء لطفوا التدبير بعده ويجب أن يجتنبوا الأغذية المسكتة المنقلة والمخدرة والمبخّرة وأما الشراب فإن الامتلاء منه ضار جداً وأما القليل فإنه ينشط النفس ويقوّي الروح ويذكّيها ويغني عن الاستكثار من الماء.
والاستكثار منه أضرّ شيء لهم والقيلولة الكثيرة وبالجملة النوم الكثير ضار لهم وخصوصاً على امتلاء كثير والإفراط من السهر أيضاً يضعف الروح ويحلّه ومع ذلك فيملأ الدماغ أبخرة وقد جرب لهم الوجّ المربّى والدار فلفل المربّى ووجدا يزيدان في الحفظ زيادة بيّنة وقد جرب هذا الدواء.
وصفته: يؤخذ كندر وسعد وفلفل أبيض وزعفران ومرّ أجزاء سواء تعجن بعسل وتتناول كل يوم وزن درهم واحد.
وجرّب أيضاً هذا ونسخته: يؤخذ فلفل كمون جزءان سكر طبرزد ثلاثة أجزاء وجرّب أيضاً كل يوم على الريق يسقى مثقال فيه من الكندر ثلاثة أرباع ومن الفلفل ربع.
وأيضاً كمون خمسة فلفل واحد وجّ اثنين سعد اثنين إهليلج أسود اثنين عسل البلافر واحد العسل ضعف الجميع ويجب أن يرجع إلى الأدوية المفردة المكتوبة في الكتاب الثاني وموضعها في ألواح علل الرأس ويجب أن يكون مسكن مثله بيتاً فيه الضوء.
وأما الكائن عن أورام الدماغ فيعالج بما قيل في قرانيطس وليثرغس والسبات السهري.

.فصل في فساد التخيل:

هو بعينه من الأسباب والعلامات الموصوفة في الأبواب الأخر إلا أنه في مقدم الدماغ وفساده إما بأن يتخيل ما ليس موجوداً ويرى أموراً لا وجود لها وذلك لغلبة مرار على مقدم الدماغ أو لغلبة سوء مزاج حار بلا مادة وإما أن ينقص التخيّل ويضعف عن تخيّل الأمور التخيّلية ولا يرى الرؤيا والأحلام إلا قليلاً وينساه وينسى صور المحسوسات كيف كانت ولا يتخيّلها ويكون سببه بعينه سبب نقصان الذكر إلا أن فساد الذكر إنما يكون أكثره عن البرد والرطوبة وأقله عن اليبوسة.
والأمر ههنا بالعكس ولأن هذه الآلة خلقت ليّنة ليسرع انطباعها بما تتخيّله وتلك صلة ليعسر تخليتها عما انطبع فيها فالأمور تقع فيها بالضد وفساد الذكر يقع في معاني المحسوسات وبسبب تركيبها وفساد التخيّل يقع في مثل المحسوسات وأشباحها.
وهذا يعلم من صناعة أخرى وأدل ما يدل على أن العلة من رطوبة أو يوبسة حال النوم والسهر وحال جفاف العين والأنف ورطوبته وحال لون اللسان ورطوبته أو جفافه وإذا كانت العلة فساد التخيل لا نقصانه فأنت يمكن أن تتعرّف أيضاً أنه عن سوداء أو صفراء أو مزاج حار مفرد بما قيل وعرف وأن المعالجات فبحسب المعالجات في العلل الماضية إلا أنَّ العلاج يجب أن يكون في ناحية مبادي الحسّ وإن احتيج إلى دلوك أو وضع حجامة إلى مقدم الدما فاعمل حسب ما تعلم.

.فصل في المانيا وداء الكَلْب:

تفسير المانيا هو الجنون السبعي وأما داء الكَلْب فإنه نوع منه يكون مع غضب مختلط بلعب وعبث وإيذاء مختلط باستعطاف كما هو من طبع الكلاب واعلم أن المادة الفاعلة للجنون السبعي هو من جوهر المادة الفاعلة للمالنخوليا لأن كليهما سوداويان إلا أن الفاعل للجنون السبعي سوداء محترق عن صفراء أو عن سوداء وهو أردأ.
والفاعل للمالنخوليا سوداء طبيعية كثيرة أو احتراقية ولكن عن بلغم أو عن دم عذب وقليلاً ما يكون عن بلغم محترق وجنون وإن كان يكون عنه المالنخوليا.
وأكثر ما يكون المالنخوليا إنما يكون بحصول المادة السوداوية في الأوعية وأكثر ما يكون المانيا إنما يكون بحصولها في مقدم الدماغ وجوهره لأنّ وصوله إلى الدماغ كوصول مادة قرانيطس ويكون المالنخوليا مع سوء ظن وفكر فاسد وخوف وسكون ولا يكون فيه اضطراب شديد.
وإما المانيا فكله اضطراب وتوثّب وعبث وسبعية ونظر لا يشبه نظر الناس بل أشبه شيء به نظر السباع ويفارق صنفاً من قرانيطس يشبهه في جنون صاحبه بأنّ هذه العلة لا يكون معها حمى في أكثر الأمر وفرانيطس لا يخلو عنها وداء الكلب هو نوع من مانيا فيه معاسرة شديدة ومصاعبة مع مساعدة وموافقة معاً وليس فيه من الاعتقاد السوء كل ما في المانيا وكأنه إلى الدموية أقرب.
وأكثر ما تعرض هذه العلة في الخريف لرداءة الأخلاط وقد تكثر في الربيع والصيف ويكون له عند هبوب الشمال هيجان لتجفيف الشمال وهذه العلة كثيراً ما يحلها البواسير والدوالي وإذا عرض عقيبها الاستسقاء حقها برطوبته خصوصاً إن كان سببها حر الكبد ويبوستها وكثيراً ما تحدث هذه العلة بمشاركة المعدة فيشفيه القذف.
العلامات: للمانيا جملة علامات ولأصنافه علامات فعلامات جملته أن تتغير الأفعال السياسية والحركية التغير المذكور والعلامات المنذرة به فمثل الكابوس مع حرارة الدماغ ومثل أن يمتلئ القدمان دماً ويحمران وينعقد الدم في ثدي المرأة فيدل على حركات مفسدة للدم والأول قد يدل على ذلك وقد يدل على أنه سيصير سبباً لفساد الدم في عضو لا حار غريزي قوي فيه فيدبر الدم تدبيراً جيداً بل يفسد فيه الدم نوعاً من الفساد يوفي الدماغ.
وإذا عرضت العلامة الأولى في آخر المانيا فربما دلّ على انحلاله دلالة الدوالي وكثيراً ما يعرض المانيا في الأمراض الحادة دليلاً للبُحران فإن شهدت الدلائل الأخرى شهادة جودة دل على بُحران سيكون حينئذ وربما كان اشتدا المانيا دليلاً على بُحران مانيا نفسه.
أما علامة الكائن من سوداء محترقة فاعلم أنّ جنونه وسبعيته يكون مع فكر وسكون يمتد مدة ثم إذا تحرك وتكلّم ابتدأ يتعاقل متفكراً ثم إذا كرر عليه لم يمكن الخلاص منه ولا إسكاته وتكون نحافة البدن فيه أشدّ واللون إلى السواد أميل والأحلام أردأ وربما تقيأ شيئاً حامضاً تغلي منه الأرض.
وأما الذي عن السوداء الصفراوي فيكون الانبعاث إلى الشرّ أسرع والسكون عنه أسرع ولا يذكر من الشر والحقد ما يذكره الأول ويقلّ سكونه وتكثر حركته وضجره واضطرابه.
المعالجات: إن رأيت امتلاء من الأخلاط فافصد وان رأيت غلبة مرار في البدن بالبول وسائر العلامات فاستفرغ بطبيخ الأفتيمون أو بطبيخ الهليلج إن كان صفراء سوداوية وإن كان سوداء صرفة فربما احتجت أن تستفرغ بالأفتيمون الساذج وزن ثمانية دراهم مع السكنجبين وبحجر اللازورد ثم أقبل على الرأس واستفرغ إن كان به امتلاء دموي أو سوداوي من العرق الذي تحت اللسان وأدم استفراغه بهذا الحب.
وصفته: يؤخذ أيارج وأفتيمون وأسطوخولحس من كل واحد جزء وسْقَمُّونيا نصف جزء هليلج جزء يتّخذ منه حب كبار ويشرب بعد الاستفراغ الكلي في ليال متفرقة كل ليلة وزن درهمين.
ومما ينفع منه حب بهذه الصفة ونسخته: يؤخذ أفتيمون وبسفايج من كل واحد وزن خمسة دراهم حجر أرمني درهم هليلج كابلي درهم أسطوخدس عشرة دراهم ملح هندي شحم الحنظل أربعة بليلج أملج حاشا خربق أسود من كل واحد ثلاثة دراهم تربد عشرون درهماً يعجن بكسنجبين عسلي ويستعمل ويُغرغر بالسكنجبين السقمونيا ولا يفرط في استعمال حبّ الشبيار بل استعمله مدة ما دمت تجد به خِفة فإذا أحسست سوء مزاج حار فاقطع وبعد الاستفراغ فأقبل على التبريد والترطيب بالنطولات وغيرها وربما احتيج إلى أن ينطلوا في اليوم خمس مرات ويطلى رؤوسهم بطبيخ الأكارع والرؤوس وبحليب اللبن ويوضع عليها الزبد وليكن قصدك الترطيب أكثر من قصدك التبريد إلا أنك لا تجد أدوية شديدة الترطيب إلا باردة فاجعل معها البابونج.
وربما احتجت في تنويمه إلى سقيه دياقوذا فاسقه ماء الرمان الحلو ليرطب أو مع شراب الأجاص ليلين أو مع ماء الشعير وينطله أيضاً بماء طبخ فيه الخشخاش للتنويم ولكنّ الأصوب أن تجعل فيه قليل بابونج وتحلب اللبن على رأسه.
والأدهان نافعة في ذلك جداً.
وإذا استعملت النطولات والسعوطات المرطبة والأدهان فاحتل أن ينام بعدها على حال بما ينوّم من النطولات والأدهان المسبتة خاصة دهن الخس واسقه من الأشربة ما يرطب كماء الشعير ولا تسقه ما يجري مجرى السكنجبين وما فيه تلطيف وتجفيف وتقطيع.
وكلما رأيت الطبيعة صلبة فاحقن لئلا ترتفع إلى الرأس بخارات مؤذية من النقل ويجب أن يسقوا في مياههم أصول الرازيانج البرّي وبزره وأصل الكرمة البيضاء وهو الفاشرا فإنها نافعة.
والشربة منه كل يوم مثقال فإن لم يشربوا دُسّ ذلك في طعامهم ويجلس بين يدي العليل من يستحي منه ويهابه ويشدّ فخذاه وساقاه دائماً ليجذب البخار إلى أسفل وإن خيف أن يَجْنوا على أنفسهم ربطوا ربطاً شديداً وأدخلوا في قفص وعلقوا في معلاق مرتفع كالأرجوحة ويجب أن تكون أغذيتهم رطبة على كل حال إلا أنها مع رطوبتها يجب أن لا تكون مما يحدث السدد مثل النشاء وما أشبهه فإن ذلك ضار لهم جداً ولا يعطون ما يدرّ البول كثيراً فإن ذلك يضرّهم.
وسائر علاجاتهم فيما يجب أن يتوقّوه ويحذروه هو علاج المالنخوليا ونذكره في بابه وإذا انحطوا فلا بأس بأن يسقوا شراباً كثير المزاج فإن ذلك يرطبهم وينومهم وعليك أن تجتنب من الأشياء الحارة المسخّنة.

.فصل في المالنخوليا:

يقال مالنخوليا لتغيّر الظنون والفكر عن المجرى الطبيعي إلى الفساد وإلى الخوف والرداءة لمزاج سوداوي يوحش روح الدماغ من داخل ويفزعه بظلمته كما توحش وتفزع الظلمة الخارجة على أنّ مزاج البرد واليبس منافٍ للروح مضعف كما أن مزاج الحرّ والرطوبة كمزاج الشراب ملائم للروح مقوّ.
وإذا تركت مالنخوليا مع ضجر وتوثّب وشرارة انتقل فسمّي مانيا وإنما يقال مالنخوليا لما كان حدوثه عن سوداء محترقة وسبب مالنخوليا إما أن يكون في الدماغ نفسه وإما من خارج الدماغ.
والذي في الدماغ نفسه فإنه إمّا أن يكون من سوء مزاج بارد يابس بلا مادة تنقل جوهر الدماغ ومزاج الروح النيّر إلى الظلمة وإمّا أن يكون مع مادة.
والذي يكون مع مادة فإما أن تكون المادة في العروق صائرة إليها من موضع آخر أو مستحيلة فيها إلى السواد باحتراق ما فيها أو تعكّره وهو الأكثر أو تكون المادة متشرّبة في جرم الدماغ أو تكون مؤذية للدماغ بكيفيتها وجوهرها فتنصبّ في البطون وكثيراً ما يكون انتقالاً من الصرع.
والذي يكون سببه بخار مظلم فإما أن يكون ذلك الشيء في البدن كله إذا استولى عليه مزاج سوداوي أو الطحال إذا احتبس فيه السوداء ولم يقدر على تنقيتها أو عجز ولم يقدر على جذب السوداء من الدم وإما لأنه قد حدث به ورم أو لم يحدث بل آفة أخرى أو لسبب شدة حرارة الكبد وإما أن يكون ذلك الشيء هو المراق إذا تراكمت فيه فضول من الغذاء ومن بخار الأمعاء واحترقت أخلاطه واستحالت إلى جنس سوداوي أحدثت ورماً أو لم تحدث فيرتفع منها بخار مظلم إلى الرأس ويسمى هذا نفخة مراقية ومالنخوليا نافخاً ومالنخوليا مراقياً وهو كثيراً ما يقع عن ورم أبواب الكبد فيحرق دم المراق وهو الذي يجعله جالينوس السبب في المالنخوليا المراقي.
وروفس جعل سببه شدة حرارة الكبد والمعي.
وقوم آخرون يجعلون سببه السدة الواقعة في العروق المعروف بالماساريقا مع ورم.
وآخرون يجعلون السبب فيه اسدد الواقعة في الماساريقا وإن لم يكن ورم.
واستدلّ من جعل السبب في ذلك السدد الواقعة في الماساريقا بأن غذاء هؤلاء لا ينفذ إلى العروق فيعرض له فساد.
واستدلّ من قال أن ذلك من ورم بطول احتباس الطعام فيهم نيئاً بحاله في الأكثر فلا يكون هذا الورم حاراً لأنه لا يكون هناك حمّى وعطش وقيء مرار.
وربما كَان سبب تولده هو من خارج الدماغ ومبدأ تولده هو في الدماغ كما إذا كان في المعدة ورم حار فأحرق بخاره رطوبات الدماغ أو كان في الرحم أو سائر الأعضاء المشاركة للرأس.
والذي يكون عن برد ويبس بلا مادة فسببه سوء مزاج في القلب سوداوي بمادة أو بلا مادة يشركه فيه الدماغ لأن الروح النفساني متصل بالروح الحيواني ومن جوهره فيفسد مزاجه الفاسد السوداوي مزاج الدماغ ويستحيل إلى السوداوية وقد يكون لأسباب أخرى مبردة ميبّسة لا من القلب وحده على أنه لا يمكن أن يكون بلا شركة من القلب بك عسى أن يكون معظم السبب فيه من القلب ولذلك لا بد من أن يكون علاج القلب مع علاج الدماغ في هذا المرض.
واعلم أن دم القلب إذا كان صقيلاً رقيقاً صافياً مفرحاً قاوم فساد الدماغ وأصلحه.
ولا عجب أن يكون مبدأ ذلك في أكثر الأمر من القلب وإن كان إنما تستحكم هذه العلل في الدماغ لأنه ليس ببعيد أن يكون مزاج القلب قد فسد أولاً فيتبعه الدماغ أو يكون الدماغ قد فسد مزاجه فيتبعه القلب ففسد مزاج الروح في القلب واستوحش ففسد ما ينفذ منه إلى الدماغ وأعان الدماغ على إفساده وقد يعرض في آخر الأمراض المادية خصوصاً الحادة مالنخوليا فيكون علامة موت.
وحينيذٍ يعرض لذلك الإنسان أن يذكر الموت والموتى كثيراً وبالجملة فإن السوداء تكثر فتتولد تارةً بسبب العضو الفاعل للغذاء وهو الكبد إذا أحرق الدم أو ضعف عن دفع الفضل السوداوي وهو الأقل وتارة بسبب العضو الذي هو مفرغة للسوداء وهو الطحال إذا ضعف عن أمرين: أحدهما: جذب ثقل الدم ورماده عن الكبد والآخر: دفع فضل ما ينجذب إليه منه إلى المدفع الذي له وقد يتولد السوداء في عضو آخر إما بسبب شدة إحراقه لغذائه أو بسبب عجزه عن دفع فضل عذائه فيتحلل لطيفه ويتعكر كثيفه سوداء أو بسبب شديد تبريده وتجفيفه لما يصل إليه وقد يكون السبب في تولده أيضاً الأغذية المولدة للسوداء.
وقد رأى بعض الأطباء أن المالنخوليا قد يقع عن الجن ونحن لا نبالي من حيث نتعلم الطب أن ذلك يقع عن الجن أو لا يقع بعد أن نقول: إنه إن كان يقع من الجن فيقع بأن يحيل المزاج إلى السوداء فيكون سببه القريب السوداء ثم ليكن سبب تلك السوداء جنّاً أو غير جن ومن الأسباب القوية في توليد المالنخوليا فراط الغم أو الخوف.
ويجب أن تعلم أن السوداء الفاعل للمالنخوليا قد تكون إما السوداء الطبيعية وإما البلغم إذا استحال سوداء بتكاثف أو أدنى احتراق وإن كان هذا يقل ويندر.
وأما الدم إذا استحال بانطباخ أو بتكاثف دون احتراق شديد.
وأما الخلط الصفراوي فإنه إذا بلغ فيه الاحتراق الغاية فعل مانيا ولم يقتصر على المالنخوليا.
فكل واحد من أصناف السوداء إذا وقع من الدماغ الموقع المذكور فعل المالنخوليا لكن بعضه يفعل معه المانيا.
وأمسلم المالنخوليا ما كان عن عكر الدم وما كان معه فرح وكثيراً ما ينحل المالنخوليا بالبواسير والدوالي وقد يقل تولد هذه العلة في البيض السمان ويكثر في الأدم الزب القضاف ويكثر تولدها فيمن كان قلبه حاراً جداً ودماغه رطباً فتكون حرارة قلبه مولّدة للسوداء فيه ورطوبة دماغه قابلة لتأثير ما يتولد في قلبه ومن المستعدين له اللثغ الأحذاء الخفاف الألسنة والطرف الأشد حمرة الوجه والأدم الزب وخصوصاً في صدورهم السود الشعور الغلاظها الواسعو العروق الغلاظ الشفاه لأن بعض هذه دلائل حرارة القلب وبعضها دلائل رطوبة الدماغ وكثيراً ما يكونون في الظاهر بلغميين وهذه العلة تعرض للرجال أكثر وللنساء أفحش.
وتكثر في الكهول والشيوخ وتقلّ في الشتاء وتكثر في الصيف والخريف وقد تهيج في الربيع كثيراً أيضاً لأن الربيع يثير الأخلاط خالطاً إياها بالدم وربما كان هيجانه بأدوار فيها تهيج السوداء وتثور.
والمستعد للمالنخوليا يصير إليها بسرعة إذا أصابه خوف أو غم أو سهر أو احتبس منه عادة سيلان الدم أو قيء سوداوي أو غير ذلك.
العلامات: علامة ابتداء المالنخوليا ظن رديء وخوف بلا سبب وسرعة غضب وحُب التخلي واختلاج ودوار ودوي وخصوصاً في المراق فإذا استحكم فالتفزغ وسوء الظن والغم والوحشة والكرب وهذيان كلام وشبق لكثرة الريح وأصناف من الخوف مما لا يكون أو يكون وأكثر خوفه مما لا يخاف في العادة وتكون هذه الأصناف غير محدودة.
وبعضهم يخاف سقوط السماء عليه وبعضهم يخاف ابتلاع الأرض إياه وبعضهم يخاف الجن وبعضهم يخاف السلطان وبعضهم يخاف اللصوص وبعضهم يتقي أن لا يدخل عليه سبع.
وقد يكون للأمور الماضية في ذلك تأثير ومع ذلك فقد يتخيلون أموراً بين أعينهم ليست وربما تخيلوا أنفسهم أنهم صاروا ملوكاً أو سباعاً أو شياطين أو طيوراً أو آلات صناعية.
ثم منهم من يضحك خاصة الذي مالنخولياه دموي لأنه يتخيل ما يلذه ويسره.
ومنهم من يبكي خاصة الذي مالنخولياه سوداوي محض ومنهم من يحب الموت ومنهم من يبغضه.
وعلامة ما كان خاصاً بالدماغ إفراط في الفكرة ودوام الوسواس ونظر دائم إلى الشيء الواحد وإلى الأرض.
ويدل عليه لون الرأس والوجه والعين وسواد شعر الرأس وكثافته وتقدم سهر وفكر وتعرض للشمس وما أشبهه وأمراض دماغية سبقت وأن لا تكون العلامات التي نذكرها للأعضاء الأخرى المشاركة للدماغ خاصة وأن لا يظهر النفع إذا عولج ذلك العضو ونقي وأن تكون الأعراض عظيمة جداً.
وأما الكائن بمشاركة البدن كله فسواد البدن وهلاسه واحتباس ما كان يستفرغ من الطحال والمعدة وما كان يستفرغ بالإدرار أو من المقعدة أو من الطمث وكثرة شعر البدن وشدّة سواده وتقدم استعمال أغذية رديئة سوداوية مما عرفته في الكتاب الثاني.
والأمراض المعقبة للمالنخوليا هي مثل الحمّيات المزمنة والمختلطة.
وعلامة ما كان من الطحال كثرة الشهوة لانصباب السوداء إلى المعدة مع قلة الهضم لبرد المزاج وكثرة القراقر ذات اليسار وانتفاخ الطحال وذلك مما لا يفارقهم وشبق شديد للنفخة وربما كان معه حمّى ربع وربما كانت الطبيعة لينة وربما أوجب للذع السوداء ألماً.
وما كان من المعدة فعلامته وجود علامات ورم المعدة المذكورة في باب أمراض المعدة وزيادة العلّة مع التخمة والامتلاء وفي وقت الهضم وكثيراً ما قد يهيج به عند الأكل إلى أن يستمرأ أوجاع ثم يسكن عند الاستمراء فإن كان حاراً دل عليه الالتهاب في المراق وقيء المرار وعطش.
وأكثر من به مالنخوليا فإنه مطحول وعلامة المراقي ثقل في المراق واجتذاب إلى فوق وتهوّع لازم وخبث نفس وفساد هضم وجشاء حامض وبزاق رطب وقرقرة وخروج ريح وتلهّب وأن يجد وجعاً في المعدة أو وجعاً بين الكتفين وخصوصاً بعد الطعام إلى أن يستمرأ بالتمام وربما قذف البلغم المراري وربما قذف الحامض المضرس وعرض له هذه الأعراض مع التناول للطعام بل بعده بساعات فيكون برازه بلغمياً مرارياً ويخف بجودة الهضم ويزيد بنقصانه وربما تقدمه ورم في المراق أو كان معه ويجد اختلاجاً في المراق في أوقات وتزداد العلّة مع التخمة وسرعة الهضم.
ونقول: إن السوداء الفاعل للمالنخوليا إن كان دموياً كان مع فرح وضحك ولم يلزم عليه الغمّ الشديد وإن كان من بلغم كان مع كسل وقلّة حركة وسكون وإن كان من صفراء كان مع اضطراب وأدنى جنون وكان مثل مانيا وإن كان سوداء صرفاً كان الفكر فيه كثيراً والعادية أقلّ إلا أن يحرك فيضجر ويحقد حقداً لا ينسى.
المعالجات: يجب أن يبادر بعلاجه قبل أنيستحكم فإنه سهل في الابتداء صعب عند الاستحكام ويجب على كل حال أن يفرح صاحبه ويطرب ويجلس في المواضع المعتدلة ويرطّب هواء مسكنه ويطيّب بفرش الرياحين فيه وبالجملة يجب أن يشمم دائماً الروائح الطيبة والأدهان الطيّبة ويناول الأغذية الفاضلة الكيموس المرطّبة جداً ويدبّر في تخصيب بدنه بالأغذية الموافقة وبالحمّام قبل الغذاء ويُصبّ على رأسه ماء فاتر ليس بشديد الحرارة وإذا خرج من الحمّام- وبه قليل عطش- فلا بأس أن يسقى قليل ماء ويستعمل الدلك المخصب المذكور في باب حفظ الصحة واعتن بترطيبه فوق اعتنائك بتسخينه ما أمكن وليجتنب الجماع والتعرّق الشديد ويجتنب الباقلاء والقديد والعدس والكرنب والشراب الغليظ والحديث وكل مملّح ومالح وحريف وكل شديد الحموضة بل يجب أن يتناول الدسم والحلو وإذا أريد تنويمهم فلك أن تنطل رؤوسهم بماء الخشخاش والبابونج والأقحوان فإن النوم من أوفق علاجاتهم ويتدارك بما يفيده من الصلاح ما يورثه الخشخاش من المضرّة فإما إن كان المالنخوليا من سوء مزاج مفرط برد ويبس فينبغي أن يشتغل بتسخين القلب وبالمفرّحات وأدوية المسك والترياق والمثروديطوس وما أشبه ذلك ويعالج الرأس بما مرّ وذكر في باب الرعونة.
والقويّ منه يعرض عقيب مرض آخر حار فيسهل علاجه حتى إنه يزول بالتنطيلات.
وأما إن كان من مادة سوداوية متمكنة في الدماغ فملاك علاجه ثلاثة أشياء.
أولها: استفراغ المادة وربما كان بالحقن وبالقيء إلا من كانت معدته ضعيفة فلا تقيّئه في هذه العلة البتّة حتى ولا في المراقي أيضاً.
والثاني: أن يستعمل مع الاستفراغ الترطيب دائماً بالنطولات والأدهان الحارّة ويجعل فيها من الأدوية مثل البابونج والشبث وإكليل الملك وأصل السوسن لئلا يغلظ الخلط بتحليل ساذج لا تليين فيه ولا يغلظ بما يرطب ولا تحليل فيه وإن كان السوداء بعيداً من الحرارة فلك أن تزيد الشيخ وورق الغار والفوتنج مع الترطيب ولا تبالي وتستعمل الأغذية المولدة للدم المحمودة مثل السمك الرضراضي واللحوم الخفيفة المذكورة وفي الأوقات بالشراب الأبيض الممزوج دون العتيق القوي.
والثالث: أن تستعمل تقوية القلب إن أحسّ بمزاج بارد فبالمفرّحات الحارّة وإن أحسّ بمزاج يميل إلى الحرارة فبالمفرحات المعتدلة وإن كانت الحرارة شديدة جداً استعمل المفرحات الباردة غير المفرطة البرد ويتعرّف ذلك من النبض ولنشرع في تفصيل هذا التدبير فنقول: أما الاستفراغ فإن رأيت أن العروق ممتلئة كيف كان وأن السوداءَ دموي فافصد من الأكحل بل يجب على كل حال أن تبتدي بالفصد إلا أن تخاف ضعفاً شديداً أو تعلم أن المواد قليلة وهي في الدماغ فقط وأن اليبس مستول على المزاج ثم إن فصدت ووجدت دماً رقيقاً فلا تحبس الدم لذلك فإنه كثيراً ما يتقدم فيه الرقيق ولذلك يجب أن يوسّع الفصد لئلا يتروق الرقيق ويحتبس الغليظ فيزيد شراً وانظر أي الجانبين من الرأس أثقل فافصد الباسليق الذي يليه وربما احتجت أن تفصد من الباسلقين إذا وجدت العلامة عامة وقبل فصد عروق الجبهة تحرك أكثر ثم إن وجدت الخلط سوداوياً بالحقيقة وإلى البرد فاستفرغ بالحبوب المتخذة من الأفتيمون والصبر والخربق وابتدئ بالإنضاج ثم استفرغ في أول الأمر بأدوية خفيفة يقع فيها أفتيمون وشحم الحنظل وسقمونيا يسير ثم بطبيخ الأفتيمون والغاريقون ثم إن لم ينجع استعملت الأيارجات الكبار ثم لم احتجت بعد ذلك إلى استفراغ استعملت الخربق مع خوف وحذر وحجر اللاؤورد والحجر الأرمني والحب المتخذ منهما بلا خوف ولا حذر.
وكثيراً ما ينفعهم استعمال هذه الأدوية المذكورة في ماء الجبن على المداومة وتقليل المبلغ من الدواء فإن لم ينجع عاودت من رأس ويكون في كل أسبوع يستفرغ مرة بحب لطيف وسط وتستعمل فيما بين ذلك الإطريفل الأفتيموني وقد جرب سقيهم الأطريفل بالأفتيمون على هذه الصفة وهو أن يؤخذ من الإطريفل ثلاثة دراهم ومن الأفتيمون درهم ومن الأيارج نصف درهم وفي كل شهر يستفرغ بالقوي من الأيرجات الكبار والحبوب الكبار إلى أن تجد العلة قد زالت.
ويستعمل أيضاً القيء خصوصاً إن رأيت في المعدة شيئاً يزيد في العلة ولم تكن المعدة بشديدة الضعف ويجب أيضاً أن يكون القيء بمياه قد طبخ فيها فوذنج وكركند وبزر الفجل ويتناول عصارة فجل غرز فيه الخربق وترك أياماً حتى جرت فيه قوته مع سكنجبين أو يتناول هذا الفجل نفسه منقعاً في السكنجبين وليكن مقدار السكنجبين ثلاثة أساتير ومقدار عصارته أستار ويزيد ذلك وينقصه بقدر القوة وأما إن خِفْت ضعف القوة فاجتنب الخربق وإذا نقيت فاقصد القلب بما ذكرناه مراراً وهذا الإطريفل الأفتيموني مجرّب النفع في هذا الباب.
وإذا أزمنت العلّة استعملت القيء بالخربق واستعملت المضوغات والغرغرات المعروفة واستعملت الشمومات الطيبة والمسك والعنبر والأفاويه والعود فإن كانت المادة إلى المرار الصفراوي فاستفرغ بطبيخ الأفتيمون وحب الأصطمحيقون المعتدل وبما نستفرغ الصفراء المحرقة وما يقال في بابه وزد في الترطيب وقلل من التسخين على أنه لا بد لك من البابونج وما هو في وقته إذا استعملت النطولات ولا سبيل لك إلى استعمال المبرِّدات الصرفة على الرأس وقد حمد بعض القدماء في مثل هذا الموضع أن يأخذ من الصبر كل يوم شيئاً قليلاً أو ينجرع كل يوم ماء طبخ فيه أفسنتين ثلاث أوق أو عشرة قراريط من عصارة الأفسنتين مدوفاً في الماء وقد حمد أن يتجرع كل ليلة خلاً ثقيفاً سيما خلّ العنصل.
وأما أنا فأخاف غائلة الخلّ في هذه العلة إلا أن يكون على ثقة أن المادة متولدة عن صفراء محترقة وأنها حارة فيكون الخل أنفع الأشياء له وخصوصاً العنصلي والسكنجبين المتخذ بخل العنصل وكذلك الخل الذي جعل فيه جعدة أو زراوند.
وقد ينفع الخل أيضاً إذا كان المرض بمشاركة الطحال والمادة فيه ويجب أن تطيب مشمه من التركيبات المعتدلة التي يقع فيها كافور ومِسك مع دهن بنفسج كثير غالب برائحته يبوسة الكافور والمسك وسائر الروائح الباردة الطيبة خصوصاً النيلوفر.
وأما إن كان سبب المالنخوليا ورماً في المعدة والأحشاء أو مزاجاً حاراً فيها محرقاً تداركت ذلك وبردت الرأس ورطبته وقويته لئلا يقبل ما يتأدّى إليه من غيره وإن كان السبب في المراق ووجدت رياحاً وقراقر فإن كان في المراق ورم حار عالجته وحلّلته بما يجب مما يقال في باب الأورام وقويت الرأس وعرّقته في أدهان مقوّية ومرطبات واستعملت المحاجم بشرط ليستفرغ الدم ولا تسخن في مثل هذه الحال الكبد بل عليك أن تبرّده إذا وجدته حاراً محرقاً للدم بحرارته وقو الطحال وضع على المراق المحاجم ودواء الخردل ونحوه وذلك لئلا يرسل الطحال المادة إلى الدماغ.
وإن كان المراق بارد المزاج نافخه ولم يكن ثَمَّ ورم ولا لهيب سقيته ماء طبيخ الأفسنتين وعصارته على ما ذكر وتنطل معدته بالنطولات الحارة المذكورة وتضمدها بتلك الضمّادات واستعمل فيها بزر الفنجنكشت وبزر السذاب وأصل السوسن وشجرة مريم وتمسك الأضمدة عليها مدة طويلة ثم إذا نزعتها وضعت على الموضع قطناً مغموساً في ماء حار أو صوفاً منفوشاً أو إسفنجة.
وينفع استعمال ضماد الخردل على ما بين الكتفين وضمادات ذروروتيس أيضاً المذكورة في القراباذين فينفع أن يستعمل عليه المحاجم بغير شرط إلا أن يكون هناك ورم أو وجع فيمنع ذلك.
وكثيراً ما ينتفع أصحاب المالنخوليا المراقي بالأشياء المبرِّدة من حيث أن تكون مرطبة مضادة ليبس السوداء ولأنها تكون مانعة من تولد الريح والبخار اللذين يؤذيان بتصعّدهما إلى الرأس وإن كان الانتفاء بالبارد ليس انتفاعاً خفيفاً قاطعاً للمرض: ولكن البارد إذا كان رطباً لم يتولد منه السوداء وانحسمت مادته ولم يبخر أيضاً المادة الحاصلة ورجي أن يستولي عليها الطبيعة فيصلحها.
واعلم أن التدبير الغليظ المولد للبلغم وربما قاوم السوداء والتدبير الملطّف لما يفعل من الاحتراق بسهولة ربما أعانه ولا يغرنّك انتفاع بعضهم ببلغم يستفرغه قذفاً أو برازاً فإن ذلك ليس لأن استفراغ البلغم ينفعه بل لأن الكثرة وانضغاط الأخلاط بعضها ببعض يزول عنهم.
وأما النافع بالذات فاستفراغ السوداء وقانون علاج المالنخوليا أن يبالغ في الترطيب ومع ذلك أن لا يقصر في استفراغ السوداء وكلما فسد الطعام في بطون أصحاب المالنخوليا فاحملهم على قذفه وخصوصاً حين يحسّون بحموضة في الفم فيجب أن تقيئهم لا محالة حينئذ ويحرم عليهم أن يأكلوا عليه طعاماً آخر ويستعمل الجوارشنات المقوّية لفم المعدة وليحذروا إدخال طعام على طعام قد فسد ويجب أن يشغل.
صاحب المالنخوليا بشيء كيف كان وأن يحضره من يحتشمه ومن يستطيبه والشرب المعتدل للشراب الأبيض الممزوج قليلاً ويشغل أيضاً بالسماع والمطربات ولا أضر له من الفراغ والخلوة وكثيراً ما يغتمُّون بعوارض تقع لهم أو يخافون أمراً فيشتغلون به عن الفكرة ويعاقون فإن نفس أعراضهم عن الفكرة علاج لهم أصيل فإن كان السبب دروراً احتبس من طمث أو مقعدة أو غير ذلك فادرأ فإن حدث سقوط الشهوة فالعلة ومن كانت السوداء في بدنه منهم متحرّكة فهو أقبل للعلاج ممن لم تكن سوداؤه كذلك والذي تكون فيه السوداء متحركة فهو الذي يظهر سوداؤه في القيء وفي البراز والبول وفي لون الجلد والبهق والكلف والقروح والجرب والدوالي وداء الفيل والسيلان من المقعدة ونحو ذلك فإن ذلك كله يدل على أنه قاتل للتمييز عن الدم.
وإذا ظهر بهم شيء من هذا فهو علامة خير وإذا عرض لبعضهم تشنّج بعد الإسهال والاستفراغ فإنهم أولى بذلك من غيرهم ليبسهم فيجب أن يقعدوا في ماء فاتر ويطعمون خبزاً منقوعاً في جلاَّب وقليل شراب ويسقوا ماء ممزوجاً ثم ينومون ويحمّمون بعده ثم يغذون كما يخرجون.